الأربعاء، 6 أبريل 2016

الذين أوتوا العلم


ذكرتُ في منشورٍ سابق أن إشكالية النصوص الكتابية إنما في كونها نصوصاً مفرغة من المعاني الواضحة ، فاستخلاص المعاني والدلالات يحتاج لعناء شديد وليس ممكناً مع كل نص ؛ إذ أن تفسيرها وبيانها كان حكراً على طائفة من بني إسرائيل دون عمومهم ؛ وهم أهل العلم منهم والذين جاء وصفهم في كتاب الله ب "الذين أوتوا العلم" ، فهؤلاء كانوا يعلمون مراد الله ومراد أنبيائه من نصوص كتابهم ، ويفهمون المشكل منها ، ويعلمون محكمه ومتشابهه ، ويعلمون صفات النبي المنتظر ، وتفصيل الشريعة ، وغيرها من الأمور التي اختصوا بها لملازمتهم الأنبياء وانغماسهم في دراسة معاني الكتاب والتي سلموها جيلاً بعد جيل ، إذا استثنينا أجيال العار من بني إسرائيل ؛ والتي كان ملوكهم ورؤساهم وكهنتهم فيها هم أضل الناس ؛ يعبدون الأصنام "البعل مثلاً" ، ويتولون الكفار "أهل كنعان من المشركين" ، ويخالفون تعاليم الله ووصاياه في كتبهم "كالزواج من الكفار المخالطين لهم ومسايرة عاداتهم وأعرافهم الشركية" ، غير قتلهم الأنبياء وتحريفهم الكتاب .. وكل هذه المصائب قد ذُكرت نصاً في كتابهم وليست على سبيل السرد أو الاحتمال ..
وأصحاب العلم هؤلاء كانوا أوصياء على بني إسرائيل يعلمونهم ويرشدونهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ..

وتأكيداً لهذا المعنى "احتكار العلم" .. نقرأ في "نحمياء الإصحاح الثامن 5 : 9" "ترجمة سميث وفانديك" : وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب ، لأنه كان فوق كل الشعب. وعندما فتحه وقف كل الشعب .. وبارك عزرا الرب الإله العظيم وأجاب جميع الشعب -آمين آمين- رافعين أيديهم ، وخروا وسجدوا للرب على وجوهم إلى الأرض .. ويوشع وباني وشربيا ويامين وعقوب وشبتاي وهوديا ومعسيا وقليطا وعزريا ويوزاباد وحنان وفلايا واللاويون أفهموا الشعب الشريعة ، والشعب في أماكنهم .. وقرأوا في السفر ، في شريعة الله ، ببيان ، وفسروا المعنى ، وأفهموهم القراءة .. ونحميا أي الترشاثا ، وعزرا الكاهن الكاتب ، واللاويون المفهمون الشعب قالوا لجميع الشعب - هذا يوم مقدس للرب إلهكم لا تنوحوا ولا تبكوا- لأن جميع الشعب بكوا حين سمعوا كلام الشريعة.

فالنص واضح الدلالة .. كان فهم الشريعة التوراتية حكراً على طائفة من بني إسرائيل .. فالنص التوراتي يحتاج إلى "بيان ، وتفسير معنى ، وفهم للقراءة" غير إرشادهم لهم بالأمر والنهي .. فعوامهم لا يمكنهم ذلك ! فقط يتلقونه من هؤلاء الرؤوس !
فجهل عمومهم بقراءة النص الصحيحة ، وبيان معناه ، وفهم التشريعات ؛ قد سهل على هؤلاء الرؤوس تحريف الكتاب.
وقد ظلت كذلك تلك العلوم لا تُدون فيطلع عليها العوام ، حتى أشرفوا على الهلاك ، وأيقنوا أنهم قد ذهب منهم الملك والنبوة ، بعد رفع المسيح عليه السلام وتحقيق وعد الله فيهم بتدمير الهيكل والشتات ، حينها فقط بدأوا في تدوين بعض هذه التفاسير والمعاني في صور مختلفة وأبقوا في صدورهم بعضها ، إذ أن في تدوينها سهولة في نشرها بين أطراف الأرض التي تشتتوا فيها .. وهذه الكتابات أيضاً لم تُبذل للعوام ، بل ظلت حكراً على خواصهم ، يظهرون منها ما أرادوا ويخفون منها ما أرادوا ، ويغيرون فيها حسبما رأوا من مصلحة !

وإجمال هذا في القرءان واضح لكل قارئ ، وفي ما ورد في السنة بيانٌ لذلك لا يخفى على دارس ، وكتابات أهل التاريخ والنقد من قومهم في هذا الشأن خير شاهد.
والله المستعان
‫#‏قل_فأتوا_بالتوراة_فاتلوهآ_إن_كنتم_صادقين‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق