السبت، 12 ديسمبر 2015

الإصحاح الثاني والأربعون من سفر إشعياء : ترجمة وتفسير (سعاديا جاؤون)

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذا قدرٌ من تفسير حاخام اليهود وشيخهم وعلم من أعلامهم في القرن العاشر الميلادي ؛ سعيد ابن يوسف الفيومي الشهير ب"سعاديا جاؤون". وهو قدرٌ يتناول ترجمته للإصحاح الثاني والأربعين من سفر إشعياء .. رأيت أن أنشره منفرداً عن رسالتي في شرح هذا النص استناداً على النسخ والترجمات والمخطوطات "وهي قيد التدوين" ؛ لما فيه من فائدة ، وليكون مرجعاً أرجعُ إليه في رسالتي دون الحاجة إلى إيراده بتمامه فيها. 
وقد قمتُ بفضل الله تعالى بنقله من الحروف العبرية إلى العربية اعتماداً على نسخة يوسف ديرنبورج الشهيرة "من التفاسير والكتب والرسائل .. الجزء الثالث ؛ طبعة باريس 1896"
وقمت بتشكيل النص وتزييله بشرح مجملٍ في الهوامش

ولم أعثر في تلك النسخة إلا على تفسير الأربعة أعداد الأولى من الإصحاح .. فأوردته في موضعه بعد العدد الرابع من الإصحاح في سياق الترجمة... كما أبقيت على كل لفظة كما هي دون تصحيح إملائي أو إعرابي إلا ما ذُكرَ في الهوامش.

والله المستعان.

                                                                                                        

سفر إشعياء
الإصحاح الثاني والأربعون



(1) هوذا عبدي أدعَمُه ، مختاري رضيَتْ به نفسي ، أجعلُ نبوتي فيه ؛ يُخرج بها أحكامي إلى الأمم (2) من يحث لا يصرخُ ولا يُعلنُ ولا يُسمَعُ في الأسواقِ صوتُه (3) حتى قصبةٌ مرضوضةٌ لا يكسرها ، وفتيلةٌ خامدةٌ لا يُطفئها ، يُخرجُ الحُكمَ على حقِّهِ (4) بل لا يخمدُ ولا يترضضُ[1] ؛ إذ يُصيِّرُ الحُكمَ في البلاد[2] ولشريعته الأممُ يَرْجون.


فسَّرتُ (פשתה : فتيلة) لأني وجدتُه ضمَّ إليها (כהה) وهذه اللفظةُ مصروفةٌ إلى خمودِ الضوءِ ودمسِه ؛ نظيرُ قوله (ותכהין עיניו מראת[3]) وأيضاً (והנה כהה הנגע[4]) ، فيجبُ أن تكونَ لفظةُ (ופשתה) مما يلائمُ (כהה).  واشتقَقْتُ (לא ירוץ[5]) من (קנה  רצוץ[6]) فجعلتها ترضضاً . لمّا كانت الفواسيق التي تقدمتْ من (קרבו רבכם[7]) إلى هاهنا إنما تنعت هذا الملك في نفسه ولم تصف أن الله الذي يؤيِّدُهُ بعلوم الغيب أوجبَ أن يفصحَ هاهنا من أين وقع له هذا العلم ، فأخبر أنه ليس علم اكتسابيٌّ بل هو علمٌ إلهيٌّ ؛لقوله (נתתי רוחי עליו[8]) وهي الروح التي كان وصفها في قصة (ונחה עליו רוח ה'[9]) ؛ فقال هاهنا (אתמך בו[10]) يعني أحوطه وأخصُّهُ نظير قوله (אשת חן תתמך כבוד ועריצים יתמכו עשר[11]) ، وأومأ بقولهِ (רצתה נפשי[12]) إلى الحكمة ، وكذلك كل (נפש[13]) مصروف إلى القديس مثل (ורשע ואהב חמס שנאה נפשו[14]) وكذلك (ישבע[15] תועבות נפשו[16]) ؛ إلى كُلِّ حكمةٍ ، فقال : إنَّ حكمتي أوجبتْ أنْ أختارَهُ  ، إذ كان الناسُ لابد لهم من مؤدب ، والأمرُ في تشخيصه إلى ناصبه ؛ فإنّي قد اخترتُ هذا ؛ وبالواجب أُعْلِمُهُ الغيبَ حتى ينقادَ إليه الناسُ طوعاً ؛ كقوله (משפט לגוים יוציא[17]) بغير تعبٍ ولا اجتهاد حتى ، ولا صراخٍ ولا رفعِ صوت ؛ كقوله (לא יצעק ולא ישא ולא ישמיע בחוץ קולו[18]) ، وجعلها ثلاثة منازل ؛ الصراخُ ، ورفعُ الصوتِ دونه ، ودونهما إسماعُ الصوت على رِسله إلا برفقٍ وسلامةٍ يسوق الخلق[19]. ولقوله (קנה  רצוץ[20]) معنيان ؛ أحدهما على ظاهره ؛ ويكون مبالغة في الكلام ، يعني أن الناسَ ينقادوا له من غيرِ أن يكسرَ قصبةً أو يُطفيءَ فتيلةً ، فضلاً على أن يفتحَ فتحاً أو يُخربَ حصناً أو يقتل نفساً[21]. ويتآلفَ مع هذه العبارة (לא יכהה .. إلخ[22]) ؛ بل لا يتواجدُ في أيامه فتيلةٌ مطفيةٌ ولا قصبةٌ مرضضةٌ *مما* الحق ظاهر ، فتكون البركات والخصب والضياء على ما هو مشروح في فصل (אלהים משפטיך למלך תן וצדקתך לבן מלך[23]). والآخرُ على سبيل التمثيل فيكون معنى قوله (קנה  רצוץ) الضعفاء من القوم الذي لا قوة لهم ، ومعنى (ופשתה כהה) القطيعون منهم الذين ليس لهم حجة فقال : ______

 
(5) كذا قالَ الطائقُ اللهُ[24] باريءُ السماواتِ ومادُّها ، وباسطُ الأرضِ وأساساتِها ، معطي النَسمة للقومِ الذين عليها والروح للمارّين فيها : (6) أنا اللهُ شرّفتُك بعدلٍ ، وأمسكُ بيدِك وأقوّيكَ وأجعلُك لعهد[25] القومِ وضياءَ الأمم (7) وفضّ عيونٍ عُميٍ ، وإخراج الأسير من المغلق ، والجلوسِ في ظلامٍ من الحُبوس (8) ومع ذلك ؛ أنا اللهُ هو ، اسمي وكرمي لا أعطيه لآخر ومِدْحَتي للفسول[26] (9) وكما أنَّ الأوائلَ قد أتتْ ، كذاك أنا أُخبرُكم بالحوادث ، وقبل أن تأتي أُبشرُكُم بها (10) سَبِّحوا اللهَ تسبيحاً جديداً ، وقولوا مِدْحَتَهُ من أقاصي الأرضِ ؛ يا نازلي البحرِ بأسْرِه والجزائرِ وسكّانِها (11) يُعلِنُ صوتَهُ كذلك أهلُ البرِّ وقُراه ؛ والرَبَضُ الذي يسكنه قِدَر[27] ، ويرنُّ[28] به أهلُ الصخورِ ، ومن رؤوسِ الجبالِ يصيحون (12) بأنْ يجعلوا للهِ وقاراً ، ومدائَحه في الجزائر يخبرون (13) إذْ يظهرُ الله كالجبار وكذي الملاحم يُثيرُ الغيرةَ فيَجْلِبُ[29] ويصرخ ، وعلى أعدائه يتجبَّر (14) ويقول : مَهَلْتُهم[30] دهراً ، فأمسكتُ ورفقتُ بهم ، الآن كالوالدِة أُجاهرُهُم وأخويهم[31] وأشوفهم[32] أجمعين (15) وأجفِّفُ جبالهم ويَفاعهم[33] ، وجميع عُشبهم أيبسه ، وأصيِّرٌ أنهارهم جزائراً ، وآجامهم أيبسها (16) وأسيِّرُ عمي[34] في طرقٍ لم يعرفوها ، وفي سِككٍ لم يعلموها أسلكهم ، وأصيِّرُ الظلام بين يديهم ضياءاً والعسراتِ سهلةً ، كما أنَّ هذه الأمورَ قد صنعتُها لهم ولم أتركُهم (17) فيَترحوا[35] إلى وراء ، ويَخزوا  خزاءاً[36] الواثقون بالفسل[37] القائلون للمُفْرِجِ[38] أنتَ ربُنا (18) يا متصامّين اسمعوا ، ويا متعاميين التفتوا انظروا ! (19) من المتعامي إلّا في أنَّهُ عبدي ، والمتصامّ إلا إذا بُعثَ إليه برسولي ، ولا متعامي إلّا عند العقوبة ، ولا متصامّ إلّا في جزاءِ أولياء الله (20) رواياتٌ كثيرةٌ لم يحفظْها ، وأسماعٌ[39] مفتوحةٌ فلا يسمعُ لها (21) واللهُ مريدٌ لكَيْ يُصلحَه ، فعظَّمَ له الفِقْهَ وغزَّرَه (22)  وهم قومٌ مغنومون مظطلمون[40] ، خاب جميعُ شبابهم ، وفي الحبوس خبوا وصاروا غنيمة ، ولا مخلِّص لهم ، واظطلام[41] ؛ لا قائلٌ : رد عليهم (23) فمن فيكم يُنصتُ هذه المقالة ويُصغي إليها ويسمعُ عاقبتها ؟ (24) ويعلمُ من جعل آلَ يعقوب اظطلاماً[42] ، وآلَ إسرائيل للغانمين ؟ أليس هو اللهُ الذي أخطأنا له ، ولم يشأ قومُنا المسيرَ بسَيْرِهِ ، ولم يقبلوا توراته ؟ (25) فسفكَ عليهم من حميةِ غضبه ، وعزَّةِ ملاحمته[43] ما سطعتْ حوالَيْهِم ولم يعلموا ، واشتعلتْ فيهم ولم يَردّوا بالَهم.




[1]  رضَّ الشيء : كسره ، دقَّه.
[2]  أوردها سعاديا في تفسيره "الأرض".
[3]  تكوين 27 : 1 .. ترجمها سعاديا "قامتا عيناه من أن ينظر".
[4]  اللاويين 13 : 6 .. ترجمها سعاديا "فإنْ خبيء البلاء".
[5]  إشعياء 42 : 4 .. ترجمها سعاديا "لا يترضَّض".
[6]  إشعياء 42 : 3 .. ترجمها سعاديا "قصبةٌ مرضوضةٌ".
[7]  إشعياء 41 : 21 .. وأصله في النسخة الماسورية الحالية "لننجراد" (קרבו ריבכם) .. وترجمها سعاديا "قَرِّبوا ذوي خصومتكم".
[8]  إشعياء 42 : 1 .. ترجمها سعاديا "أجعلُ نبوتي فيه".
[9]  إشعياء 11 : 2 .. ترجمها سعاديا "وتحلُّ عليه روح الله".
[10]  إشعياء 42 : 1 .. ترجمها سعاديا "أدعمه".
[11]  أمثال 11 : 16 .. ترجمها سعاديا "تجدُ داعمة اليسار ذات حظٍ وداعمي الغنى راهبين".
[12]  إشعياء 42 : 1 .. ترجمها سعاديا "رضيَتْ به نفسي".
[13]  أيْ (نَفْس).
[14]  مزامير 11 : 5 .. ترجمها سعاديا"وأمّا الفاسقُ ومحبُّ الظلمِ فقد شنأهما".
[15]  أصلها في النص الماسوري "ושבע" ؛ ولعل الخطأ تصحيف.
[16]  أمثال 6 : 16 .. ترجمها سعاديا "والسابع مما يكرهه".
[17] إشعياء 42 : 1 .. ترجمها سعاديا "يخرجُ بها أحكامي إلى الأمم".
[18]  إشعياء 42 : 2 .. ترجمها سعاديا "من حيث لا يصرخ ولا يُعلن ولا يُسمَعُ في الأسواق صوتُه".
[19]  كتبها خطأ بالكاف "الخلك".
[20]   انظر 6 .
[21]  لا يخفى هنا تعريضه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكأنه أدرك أن النص ينطبق عليه انطباقاً فأراد أن ينفيه عنه بهذا التأويل .. لسوء الحظ لم أقع على تفسيره للعدد الثالث عشر من نفس الإصحاح لأرى تأويله فيما ترجمه بيده قائلاً " إذْ يظهرُ الله كالجبار وكذي الملاحم يُثيرُ الغيرةَ فيَجْلِبُ ويصرخ ، وعلى أعدائه يتجبَّر"... ولكن الأمر غير الذي قاله وليس هذا موضع بيانه ولكن أجمل المعنى بقوله تعالى في سورة الفتح "محمدٌ رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحماء بينهم..". فهذا وصفه عليه السلام رؤوفٌ بالمؤمنين شديدٌ على الكافرين.
[22]  إشعياء 42 : 4 كلُّهُ.
[23]  مزامير 72 : 1  كلُّهُ .. لم أوَّفق للحصول على ترجمة سعاديا لهذا العدد ، وترجمة سميث وفانديك "اللهم ، أعْطِ أحكامَك للملكِ ، وبرَّك لابنِ الملك".
[24]  يترجم سعاديا بإطراد كلمة " אל = إل" ب "الطائق" وهو اسم فاعل من "طاق".. وكلمة "יהוה = يهوه" ب "الله".
[25]  اللام في كلمة "لعهد" إنما هي تأثراً بالأصل العبري "לברית" المزيد بلام التعدي لمفعول به ثانٍ  .. والصواب "عهداً".
[26]   في الأصل العبري " פסילים " وهي تعني المنحوتات .. ويستخدم هذا المصطلح في الكتابات الرابانية  " פסול = فَسُول" للدلالة على كلِّ مزيف ..   ويخصّون ؛ في جل المواضع ، بهذا المصطلح النبي صلى الله عليه وسلم ؛ توريةً  ، مقابَلَةً لكلمة "رَسول" كما الحال في هذا الموضع.
 [27] أورد الاسم بصيغته العبرية "קדר"  فأثبتُّهُ في المتنِ دون تصرُّف .. وتتُرجم اللفظة  في الترجمات الحديثة ب "قيدار" وهو من أبناء إسماعيل عليه السلام وينتسب إليه  ويتسمى باسمه فرعٌ من فروع العرب حسبما ورد في التكوين 25 : 13 ... ويُعرفُ عند العرب ب "قيذر" .. انظر تاريخ الطبري.
[28]  أبقى على نفس الجذر العبري بتصريفه كما هو "ירנו"  ومعناه في العربية  "رفعَ صوتَه بالبكاء".
[29]  يُحدث جَلَبةً وصياحاَ.
[30]  الصواب "أمهلتهم".
[31]  أخوى الشيء : أخلاه  ؛ ولعله يقصد "أفنيهم".
 [32] استخدم نفس الجذر الوارد في الأصل العبري في كلمة "ואשאף" وهو المقابل للجذر العربي "شئف"... ولا أعلم ماذا أراد باختياره ذلك.
[33]  اليَفاعُ : المرتفعُ من كل شيء ، ومن الأرض : الرابية والجبل وغيرها.
[34]  الصواب "عُمياً".
[35]  الترح : الحزن.
[36]  الصواب "خزياً".
[37]  سبق بيان ذلك في [25] .. والتلميح فيها واضحٌ لا يحتاج لشرح
[38]   لعله يقصد المُفرِج ؛ وهو من لا مال له.
[39]  كتبها "وأسمع".
[40]  لا أعلمُ لهذا المصدر أصلاً في أي لغة عاربة.
[41]   كما في [39].
[42]  كما في [39].
[43]  يقصد الحرب "ملحمته".
 

هناك تعليقان (2):

  1. جزاكم الله خيراً، هل لسلع المذكورة في العدد 11 علاقة بجبل سلع في المدينة المنورة؟ لأن كثيرا من الترجمات من العبرية لا تترجم كلمة سلع لصخرة بل تتركها كما هي.

    ردحذف